أول مفتاح من هذه المفاتيح وقد علمت أن الإمام بعد
الجمعة أعلن أن عنوان المحاضرة مفاتيح الجنة، ومفاتيح الفاتحة هي مفاتيح
الجنة كما سترون، فليس هناك إشكال بل تطابق وتوافق.
أول مفتاح هو : مفتاح التوحيد
وهذه
السورة جمعت كل أنواع التوحيد ومعانيه بأكمل وأتم وأوفى ما يحتاج إليه،
فعلى سبيل المثال أو للتنبيه وللجمع، ورد في هذه السورة الأسماء العظيمة
لله عز وجل الدالة على هذه المعاني، الله، بداية باسم الله، أليس كذلك؟ ثم
الرب، {الحمد لله رب العالمين} ثم {الرحمن الرحيم} وهي الرحمة، ثم الملك
{مالك يوم الدين} قال ابن القيم : وهذه ترجع إليها كل أسماء الله وصفاته
سبحانه وتعالى " .
فالله يتضمن ما سيأتي كلامنا عنه موجزا في توحيد
الألوهية، والرب يشتمل على ما فيه دلالة توحيد الربوبية، والرحمة والملك
تشتمل على ما يندرج تحته توحيد الأسماء والصفات، فجاء التوحيد كاملا في
هذه الآيات كما سنورد بعضا منه.
ثم أيضا هنا هذه المعاني أيضا مشتملة
على أو متضمنة للحمد، لأن الله عز وجل قال: {الحمد لله رب العالمين}
والحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله مع محبته والرضا عنه مع
الخضوع والاستجابة له، وهذه الأسماء كما قلنا تدل على هذه المعاني.
ثم هناك تأمل ينبغي الانتباه له، تأمل ارتباط الخلق
والأمر بهذه الأسماء التي جماعها في "الله" الدال على الألوهية، والرب
الدال الربوبية، والرحمن الدال على الأسماء والصفات، فهي التي ينشأ عنها
الخلق، وهي التي يترتب عليها الأمر والثواب والعقاب، فالله عز وجل رب كل
شيء ومليكه والقادر عليه والمتصرف فيه لا يخرج عن ربوبيته شيء.
وعندما
نقول {الحمد لله رب العالمين} نستحضر هذه المعاني، أي معاني الربوبية،
فالله خالق الخلق ومدبر الأمر ومصرف الكون ومنزل الكتاب ومجري السحاب
وواهب الأرزاق ومقدر الآجال، كل شيء في الكون حركة وسكنة ومنّة ونعمة لله
سبحانه وتعالى، فالرب هو المالك وهو السيد جل وعلا، وهو المربي بنعمه
سبحانه وتعالى، وهو الموفي لهذه النعم على كمال ما عليه من أسمائه وصفاته
سبحانه وتعالى، ولو وقفنا مع معنى الربوبية، لهان لنا الأمر في أقل الخلق
وأدناه، لو نظرنا إلى أقل المخلوقات لرأينا فيها من عجائب الخلق ودقة
الصنع وعظمة الخالق ما الله سبحانه وتعالى به عليم على حد ما قال القائل:
يا ما من يرى مد البعوض جناحها == في ظلمة الليل البهيم الأليلِ
ويرى مناط عروقها في نحرها == والمخ في تلك العظام النحّلِ
كيف
هذه البعوض التي لا نكاد نراها فيها عروق وفيها دورة دموية وتغذية وكذا
وكذا وكذا، وعلى ما قال القائل أيضا في بعض وجوه عظمة الخالق سبحانه
وتعالى وتصرفه في كل شيء جل وعلا كما قال:
يا مدرك الأبصار والأبصار لا == تدري له ولكنهه إدراكا
أتراك عين والعيون لها مدى == ما جاوزته ولا مدى لمداك
إن لم تكن عيني تراك فإنني == في كل شيء أستبين علاك
ثم يخبر عن عظمة قدرة الله ونفاذها في الخلق
قل للطبيب تخطفته يد الردى == يا شافي الأمراض من أرداك
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما == عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يموت لا من علة == من بالمنايا يا صحيح دهاك
قل للبصير وكان يحذر حفرة == فهوى بها من ذا الذي أهواك
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام == بلا اصطدام من يقود خطاك
قل للجنين يعيش معزولا بلا راع == ولا مرعى ما الذي يرعاك
قل للوليد بكى وأجهش بالبكى == لدى الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه == فاسأله من ذا بالسموم حشاك
اسأله كيف تعيش يا ثعبان أو == تحيى وهذا السم يملأ فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت == شهدا وقل للشهد من حلاك
بل سائل اللبن المصفى كان بين == دم وفرث ما الذي صفاك
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا == ميت فاسأله من ذا الذي أحياك
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى == عن عيون الناس من أخفاك
قل للنبات يجف بعد تعهد == ورعاية من بالجفاف رماك
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا == أنواره فاسأله من أسراك
واسأل شعاع الشمس يدنو وهو == أبعد كل شيء ما الذي أدناك
إلى آخر ما هو معلوم
فهذه
كلها مدرجة في هذا الشطر من الآية {الحمد لله رب العالمين} كل شيء يندرج
في هذه الكلمة، فالله عز وجل صاحب الربوبية، وله سبحانه وتعالى الألوهية
التي تأتينا هنا في مواضع شتى أولها في البسملة {بسم الله} وكذلك في
الحمدلة {الحمد لله} وكذلك في العبادة والاستعانة ولنا حديث عنها خاص
{إياك نعبد وإياك نستعين}، وبهما أي بهذين الأمرين يختلف الناس، فكثير من
الناس يقرون بالربوبية ثم يفترق الناس، فمنهم بعد أن يقر بالربوبية يمتثل،
فيعبد ويخضع ويتقرب لله عز وجل، ومنهم من ينحرف في ذلك فيشرك أو يجحد أو
يكفر والعياذ بالله.
ثم أسماء الله عز وجل الحسنى، وذِكر الرحمن والرحيم
والملك لا شك أنه من أعظم تلك الأسماء والصفات، وهنا وجوه مهمة نقف عندها،
وليس حديثنا مضطردا في معنى التوحيد ولا في معنى الإيمان ولا في ما ينبغي
التنبه له مما ينبغي معرفته من مما يلزم من صحة الاعتقاد وغير ذلك، لكننا
نورد المعاني الكبرى التي بها تعظيم هذه السورة وتعظيم هذه المعاني فيها.
فهنا
{الرحمن الرحيم} هذان الاسمان مشتقان من الرحمة، وكلاهما عظيم في دلالته،
والرحمة أصلا عظيمة لأنها سبقت غضب الله عز وجل، ولأن الله عز وجل عندما
تحدث عن رحمته عظمها فقال : {وسعت رحمتي كل شيء}
وعندما ننظر إلى الرحيم والرحمن نجد عدة جوانب:
الأول:
أن الرحمن أوسع معنى في الرحمة من الرحيم، ومن هنا قال بعض أهل العلم: "
الرحمن رحيم الدنيا والآخرة، والرحيم مختصة بالدنيا " .
وقال بعضهم:
"
الرحيم رحمة تخص عباده المؤمنين والرحمن أوسع منها فتخص المؤمنين وغير
المؤمنين " ؛ أي من الرحمة الواسعة التي يرحم الله بها العباد والبهائم
والمخلوقات والكون كله بل وما ينعم به حتى على الكافرين، من نعم طعامهم
وشرابهم وحياتهم وحركتهم وغير ذلك .
ثم ننظر أيضا إلى معنى آخر، وهو أن الرحيم اسم لله عز
وجل لكنه غير مختص به، فيطلق على الإنسان لكن مع تعظيم الله عز وجل وتفرده
في أسمائه وصفاته، لكن الرحمن اسم مختص بالله لا يطلق على غيره من خلقه
مطلقا، فهنا ما يكون في الدنيا والآخرة وما يكون في الإنسان وما يكون
للرحمن، وكذلك معنى الرحمة الواسع يتممه معنى الملك، وأحيانا يغلب على
الناس أن صاحب الملك ليست عنده رحمة، وأن صاحب الملك عنده سلطان وقهر،
وأنه عنده بطش وقدرة، وهذه طبيعة الملك، فاجتماع الملك والرحمة دليل عظمة
لله سبحانه وتعالى، وكذلك دليل على الأمرين العظيمين اللذين يحتاج إليهما
الناس وهو أمر التسليم لله لأنه المالك سبحانه وتعالى وأمر الالتجاء إلى
الله لأنه الرحيم الذي يتعرض الناس لرحمته ويسألونه إياها سبحانه وتعالى .
فحينئذ
من هذه المعاني نستطيع أن ننظر إلى عظمة ما جاء في هذه الفاتحة من الدلالة
على أنواع التوحيد كلها، وهذه الربوبية متعلقة بما هو من الله عز وجل
للخلق، فهو الذي خلقهم ورزقهم ويدبر أمرهم، والألوهية هي اللازم من الخلق
لله، فهم الذين يعبدونه ويستغيثونه ويستعينون به .. إلى آخره، قال :
"والرحمة بينهما فكذلك رحمة منه لعباده ورحمة من العباد يتعرضون بها لرحمته سبحانه وتعالى فيما يتراحمون به بينهم "
قال ابن القيم:
" الرحمة التعلق وسبب الذي بين الله
وبين عباده، فالتأليه منهم له والربوبية منه لهم والرحمة سبب واصل بينه
وبين عباده بها –أي بهذه الرحمة- أرسل الله إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب
" .
فهذه ومضة ما زلنا في رحابها أي في رحاب مفتاح التوحيد، لأنها
تضمنت من معاني التوحيد كذلك، إثبات المعاد وجزاء العباد في قوله {مالك
يوم الدين}، فإن قلنا {مالك يوم الدين} فمعنى ذلك أن يوم الدين وهو يوم
الجزاء والحساب أمر مسلم به وأن الإيمان به متضمن بالإيمان بأن الناس فيه
يحاسبون إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن
يعمل مثقال ذرة شرا يره }
فهذا معنى من المعاني المهمة .
وأيضا قد نعجب إذا قلنا إن الفاتحة متضمنة كذلك للنبوة
والرسالة، والإيمان بها واستشعار نعمة الله سبحانه وتعالى بها، ولقد ذكر
ابن القيم وجوها كثيرة بلغ بها نحو ثمانية أوجه تدل على أن الفاتحة متضمنة
للإيمان بالنبوة والرسالة، منها :
قوله {الحمد لله رب العالمين} فكونه
رب العالمين قلنا له، يدبر أمور الناس وليس تدبير أمورهم بطعامهم وشرابهم
ومعاشرهم، بل هو قبل ذلك بماذا ؟ بهدايتهم وإرشادهم، فلا يليق بالرب
المالك السيد سبحانه وتعالى أن ينسى خلقه أو يتركهم هملا وإنما دلالة
ربوبيته العظيمة التي فيها منته على خلقه أنه أرسل إليهم الرسل والأنبياء
لأن هذا هو اللائق بكمال الربوبية، ثم قوله {لله رب العالمين} الله " أي
المألوه أي المعبود ولا طريق إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله، قد يجد
الإنسان في فطرته الحنين أو التوجه إلى الخضوع لله عز وجل، وإلى التذلل
له، لكن كيف يعبده بأي أنواع العبادة كيفية أقوالها، كيفية أفعالها، ذلك
لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق الرسل وما أنزل الله عليهم من الكتب،
وكذلك قوله: {الرحمن الرحيم} فرحمته تمنع إهمال عباده واقتضت إرسال الرسل
إلى غير ذلك،
قال ابن القيم رحمه الله :
" فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضاءها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح ".
إذا
كان ينزل القطر وينبت الشجر وينضح الثمر وييسر للناس الطعام والشراب
ليجدوا رزقهم ويعيشوا حياتهم ويجعل لهم من الماء كل شيء حي، فأولى وأعظم
في حقه عز وجل ربوبية وألوهية ورحمة أن يتدارك الخلق بالرسل والأنبياء وما
نزل عليهم من كتبه وشرائعه وأحكامه وذُكر يوم الدين الذي يدين الله عز وجل
به العباد ويحاسبهم فيكون عقاب ويكون ثواب، ولا يكون ثواب ولا عقاب إلا
بعد إقامة الحجة والحجة بالرسل والأنبياء كما قال جل وعلا: { رسلا مبشرين
ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } .
وقوله كذلك : { إياك نعبد وإياك نستعين } داخل في هذا المعنى كما قلنا
إذاً
هذا المفتاح الأول وقد أوجزت القول فيه، فيه هذه المعاني المتعلقة
بالتوحيد تعظيما لله عز وجل بمعرفة ربوبيته وقصدا للخضوع له سبحانه وتعالى
بالقيام بحق ألوهيته وتمجيدا له سبحانه وتعالى بمعرفة أسمائه وصفاته
والثناء عليه بها عز وجل، واستسلاما ويقينا بالرجوع إليه والحساب بين يديه
والثواب والعقاب وفق أعمال الناس وكذلك من خلال ما جاءت به الرسل
والأنبياء .
المفتاح الثاني الذي نتحدث عنه : مفتاح الحمد والذكر
{الحمد
لله رب العالمين} وأريد أن ننبه إلى أن هذه المفاتيح مستنبطة، فلن نستطيع
أن نسير في السورة بترتيب لأن المعنى الواحد مبثوث في الآيات المختلفة كما
سار حتى في الحمد، الحمد والذكر تبدأ السورة بقوله {بسم الله الرحمن
الرحيم} والجار والمجرور أي الذي هو الباء والاسم اسم الله، لا بد له من
متعلق، بسم الله، بسم الله ماذا؟ إن جئت تأكل فقلت بسم الله، فالتقدير في
لغة العرب : بسم الله آكل، إن جئت تخرج من بيتك وتقول بسم الله، أي بسم
الله أخرج، كل صنيع تصنعه تبدأ فيه بسم الله يكون مرتبطا بهذا الفعل، ما
معنى بسم الله ؟
هذا فيه جوانب عظيمة جدا بالنسبة للإنسان:
الأول:
ذكر الله عز وجل ذكرا يشتمل على اليقين والاعتراف بقدرته وملكه وجبروته
وحوله وقوته، أنت الآن تأكل وتستطيع أن تأكل لكنك تقول : بسم الله، أي بسم
الله آكل، فالأصل أن حولك وقوتك إذا لم يشأ الله حتى لو وجدت أسباب القدرة
فلن يتحقق لك المراد، حتى تدرك أن قوتك وحولك وقولك ليس بنافعك شيئا مالم
تستعن بالله ..
إذا لم يكن عون من الله للفتى == فأول ما يقضي عليه اجتهاده
إذا
قلت أنا صنعت وأعددت وهيأت كل شيء وسيكون كذا وكذا، ولم تذكر اسم الله،
فربما حرمت كل ما أعددته ولم يؤت ثمرة ولم يصل بك إلى مقصود ولم تحقق به
مراداً .
الأمر الثاني: طلب العون
كأنك تقول عند كل بسم الله،
ربي أعني على ما أنا مقبل عليه، احفظني فيما أنا مقبل عليه، لأن هذا
المعنى أيضا مستشعر في هذه البسملة، فكأنك تطلب عون الله عز وجل ورحمته
وتسديده وتوفيقه وحفظه ورعايته وكلاءته عز وجل في هذه الكلمة، ولذلك عندما
نقول الفاتحة، فعلا هي تفتح لك كل شيء، ونحن إذا تأملنا في كثير من
الأذكار الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فإننا واجدون أنها تبدأ
بالبسملة، أليس كذلك؟ ماذا نقول عند طعامنا بسم الله، عندما نستيقظ، باسمك
اللهم نحيا، وباسمك نموت، عندما نخرج من المنزل نقول: بسم الله، عندما ..
كثير من الأذكار مصدرة بسم الله، حتى يبقى الإنسان متذكرا لله عز وجل.
الأمر الثالث في هذا المعنى :
معنى الاستعانة وارد
كما قلنا لكن معنى الأنس بالله سبحانه وتعالى عظيم، الاستعانة: إن كنت
ضعيفا طلبت القوة لكنك أحيانا معك قوة ومع ذلك تطلب قوة الأقوى، على أقل
تقدير أن تستشعر أنه معك، أنك ذكرته، أنك لم تنسه، أنه في قلبك دائما
التعلق به والتشوق إليه والاستعانة به والتوكل عليه والإنابة إليه حينئذ
تمتلئ نفسك بالعظمة الإيمانية التي يستشعر فيها الإنسان أنه موصول الحبل
بالله سبحانه وتعالى وأنه ممدود الأسباب بأسباب السماء، وأنه بسم الله
يفتح كل أمر وأنه يذلل له كل صعب وأنه ينجح بإذن الله عز وجل في كل مقصد،
ليس بمجرد الاستعانة بل حتى بهذه الراحة النفسية والطمأنينة القلبية
والمعاني الإيمانية التي يستشعرها عندما يستشعر أن الله سبحانه وتعالى معه.
لا
شك أن الإنسان إذا ذهب في أمر مهم هل يذهب وحده؟ أو في مناسبة مهمة، الذي
يذهب مثلا للزواج، يذهب وحده وإلا يأخذ معه أهله ووالده، هو يعقد الزواج،
أليس كذلك؟ لو ذهب وحده وعقد الزواج يصح أو لا يصح؟ هل يأخذ أباه لكي
يعينه في شيء، يأخذ بيده فيوقع أو ينطق بلسانه، لم يأخذ الناس معه؟ يستأنس
بهم، يفرح بمرافقتهم، يزداد حبورا وسرورا بمعيتهم، ولذلك عندما نذكر اسم
الله دائما نستشعر هذه المعاني.
عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في الغار ومعه أبو بكر، وأبو بكر يقول يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى
موضع قدميه لرآنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم بلسان اليقين والإيمان:
(ما ظنك باثنين الله ثالثهما )
والله عز وجل يقول: {لا تحزن إن الله معنا} .
استشعار
المعية في هذه البسملة شيء عظيم، وإن جئنا إلى الحمد فهو أيضا باب عظيم،
لأنه كما قال أهل العلم: الحمد هو الثناء الكامل، والكمال لله، ونحن
علّمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أننا لا نستطيع أن نحصي ثناء على
الله عز وجل، لذلك قال : ( لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) .
والله عز وجل حمد نفسه في كتابه، بل جعل فاتحة هذه الفاتحة بعد البسملة، {الحمد لله رب العالمين}
وحمد
الله لنفسه، ذكر أهل العلم فيه معاني عظيمة، قالوا: "إنه حمد نفسه لأنه
سبحانه وتعالى عظيم وأشار بحمده إلى عظمته في ذاته وأسمائه وصفاته، وأيضا
حمد نفسه ليعرف الناس والخلق باستحقاقه للحمد فإذا حمد نفسه كان المخلوقين
المربوبين المرزوقين المنعم عليهم أحق بأن يحمدوه سبحانه وتعالى، وأعظم
الحمد أن نحمد الله بما حمد به نفسه " .
ثم انظروا كذلك إلى أمر مهم وهو أن الله جل وعلا يحب
الحمد كما ورد في صحيح مسلم : ( إن الله يحب العبد إذا أكل الأكلة أن
يحمده عليها وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها ) .
ولذلك هنا الله عز وجل
يقول في الحديث : (حمدني عبدي) من المستفيد؟ أنت المستفيد، لكن الله عز
وجل أخبرنا بأن ذكره وحمده مما يحبه من عبده، ولذلك السنة النبوية والقرآن
بين لنا في هذه السورة ما كان يعلمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بتقديم الحمد والثناء لله عز وجل بين يدي الدعاء، قبل أن تدعوا فاثني على
ربك واحمده، الحمد لله خالق السماوات وخالق الأرض، وكذا وكذا، كما ورد في
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي أكثر من الثناء فأخبر
النبي صلى الله عليه وسلم بأنه دعا بالدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دعي
به أجاب وإذا سئل به أعطى .
هذا الحمد عظيم، والوقوف عند كل الآيات والمعاني يصعب ..
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
"قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله، فما الحمد لله "
أراد معاني جميلة وعظيمة، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذه الرواية:
"الحمد لله كلمة رضيها الله لنفسه " وفي رواية أخرى : " كلمة أحبها الله لنفسه ورضيها لنفسه وأحب أن تقال له " .
فما أعظم هذه الكلمة !
وفي
رواية ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : "
الحمد لله هو الشكر لله والاستخذاء له والإقرار له بنعمه وهدايته وابتداءه
" وغير ذلك ..
وروى النسائي وابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أفضل الذكر لا إله إلا
الله، وأفضل الدعاء الحمد لله ) قال الترمذي: حديث حسن غريب .
يتبع